الجمعة، 26 أغسطس 2022

لما كَانَ الاتصال شرطاً للصحة فالانقطاع ينافي الصِّحَّة ، إذن الانقطاع أمارة من أمارات الضعف د ماهر الفحل

 

ملحوظة {صلي الله عليه وسلم = r }

لما كَانَ الاتصال شرطاً للصحة فالانقطاع ينافي الصِّحَّة ، إذن الانقطاع أمارة من أمارات الضعف ؛ لأن الضَّعِيف مَا فَقَدْ شرطاً من شروط الصِّحَّة ( [1]) .

والانقطاع قَدْ يَكُون في أول السَّنَد ، وَقَدْ يَكُون في آخره، وَقَدْ يَكُون في وسطه، وَقَدْ يَكُون الانقطاع براوٍ واحد أو أكثر . وكل ذَلِكَ من نَوْع الانقطاع ، والذي يعنينا الكلام عَلَيْهِ هنا هُوَ الكلام عن الانقطاع في آخر الإسناد ، وَهُوَ مَا يُسَمَّى بالمرسل عِنْدَ المتأخرين ، وَهُوَ مَا أضافه التَّابِعيّ إلى النَّبيّ =صلي الله عليه وسلم = r ( [2]) .

لِذلِكَ فإن الحَدِيْث إذ روي مرسلاً مرة ، وروي مرة أخرى موصولاً ، فهذا يعد من الأمور الَّتِي تعلُّ بِهَا بَعْض الأحاديث ، ومن العلماء من لا يعدُّ ذَلِكَ علة ، وتفصيل الأقوال في ذَلِكَ عَلَى النحو الآتي :

القَوْل الأول : ترجيح الرِّوَايَة الموصولة عَلَى الرِّوَايَة المرسلة ؛ لأَنَّهُ من قبيل زيادة الثِّقَة ( [3]).

القَوْل الثَّانِي : ترجيح الرِّوَايَة المرسلة ( [4]) .

القَوْل الثَّالِث : الترجيح للأحفظ ( [5]) .

القَوْل الرابع : الاعتبار لأكثر الرواة عدداً ( [6]) .

القَوْل الخامس : التساوي بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ و التوقف ( [7]) .

هَذَا ما وجدته من أقوال لأهل العِلْم في هذِهِ المسألة ، وَهِيَ أقوال متباينةٌ مختلفة ، وَقَدْ أمعنت النظر في صنيع المتقدمين أصحاب القرون الأولى ، وأجلت النظر كثيراً في أحكامهم عَلَى الأحاديث الَّتِي اختلف في وصلها وإرسالها ، فوجدت بوناً شاسعاً بَيْنَ قَوْل المتأخرين وصنيع المتقدمين ، إذ إن المتقدمين لا يحكمون عَلَى الحَدِيْث أول وهلة ، وَلَمْ يجعلوا ذَلِكَ تَحْتَ قاعدة كلية تطرد عَلَيْهَا جَمِيْع الاختلافات ، وَقَدْ ظهر لي من خلال دراسة مجموعة من الأحاديث الَّتِي اختلف في وصلها وإرسالها: أن الترجيح لا يندرج تَحْتَ قاعدة كلية ، لَكِنْ يختلف الحال حسب المرجحات والقرائن ، فتارة ترجح الرِّوَايَة المرسلة وتارة ترجح الرِّوَايَة الموصولة . وهذه المرجحات كثيرة يعرفها من اشتغل بالحديث دراية ورواية وأكثر التصحيح و التعليل ، وحفظ جملة كبيرة من الأحاديث، وتمكن في علم الرِّجَال وعرف دقائق هَذَا الفن وخفاياه حَتَّى صار الحَدِيْث أمراً ملازماً لَهُ مختلطاً بدمه ولحمه .

ومن المرجحات: مزيد الحفظ ، وكثرة العدد ، وطول الملازمة للشيخ . وَقَدْ يختلف جهابذة الحديث في الحكم عَلَى حَدِيث من الأحاديث ، فمنهم : من يرجح الرِّوَايَة المرسلة، ومنهم : من يرجح الرِّوَايَة الموصولة ، ومنهم : من يتوقف .

وسأسوق نماذج لِذلِكَ مَعَ بيان أثر ذَلِكَ في اختلاف الفُقَهَاء .

مثال ذَلِكَ : رِوَايَة مَالِك بن أنس ، عن زيد بن أسلم ( [8]) ، عن عطاء بن يسار( [9]) ؛ أن رَسُوْل الله r قَالَ : (( إذا شك أحدكم في صلاته فَلَمْ يدرِ كم صلى أثلاثاً أم أربعاً؟ فليصل رَكْعَة ، وليسجد سجدتين وَهُوَ جالس قَبْلَ التسليم ، فإن كَانَت الرَّكْعَة الَّتِي صلى خامسة شفعها بهاتين السجدتين ، وإن كَانَتْ رابعة فالسجدتان ترغيم

للشيطان )) .

هَذَا الحَدِيْث رَواهُ هكذا عن مَالِك جَمَاعَة الرواة مِنْهُمْ :

سويد بن سعيد( [10]) .

عبد الرزاق بن همام( [11]) .

عبد الله بن مسلمة القعنبي( [12]).

عَبْد الله بن وهب( [13]).

عُثْمَان بن عُمَر( [14]) .

مُحَمَّد بن الحَسَن الشيباني( [15]) .

أبو مصعب الزُّهْرِيّ( [16]).

يَحْيَى بن يَحْيَى الليثي( [17]) .

فَهؤلاء ثمانيتهم رووه عن مَالِك، عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، بِهِ مرسلاً.

والحديث رَواهُ الوليد بن مُسْلِم( [18])، و يَحْيَى بن راشد( [19]) المازني( [20]) عن مَالِك ، عن زيد بن أسلم ، عن عطاء بن يسار ، عن أبي سعيد ، بِهِ - متصلاً - . هكذا اختلف عَلَى الإمام مَالِك بن أنس في وصل هَذَا الحَدِيْث وإرساله ، والراجح فِيهِ الوَصْل ، وإن كَانَ رواة الإرسال أكثر وَهُوَ الصَّحِيح من رِوَايَة مَالِك( [21]) ، لما يأتي :

وَهُوَ أن الإِمَام مالكاً توبع عَلَى وصل هَذَا الحَدِيْث :

فَقَدْ رَواهُ فليح بن سليمان( [22])، وعبد العزيز بن عَبْد الله( [23]) بن أبي سلمة( [24])،

وسليمان بن بلال( [25])، و مُحَمَّد( [26]) بن مطرف( [27])، و مُحَمَّد بن عجلان( [28]) خمستهم( [29]) رووه عن زيد بن أسلم ، عن عطاء بن يسار، عن أبي سعيد الخُدْرِيّ، بِهِ متصلاً . وَقَدْ خالفهم جميعاً يعقوب بن عَبْد الرحمان( [30]) القَارّي ( [31])؛ فرواه عن زيد بن أسلم ، عن عطاء ، مرسلاً . لَكِنْ روايته لَمْ تقاوم أمام رِوَايَة الجَمْع ( [32]).

إذن فالراجح في رِوَايَة هَذَا الحَدِيْث الوَصْل لكثرة العدد وشدة الحفظ . قَالَ الحافظ ابن عَبْد البر:(( و الحَدِيْث مُتَّصِل مُسْنَد صَحِيْح، لا يضره تقصير من قصر بِهِ في اتصاله؛ لأن الَّذِيْنَ وصلوه حُفَّاظ مقبولةٌ زيادتهم( [33]) )) .

وَقَالَ في مَوْضِع آخر : (( قَالَ الأثرم: سألت أحمد بن حَنْبَل عن حَدِيث أبي سعيد في السهو ، أتذهب إليه ؟ قَالَ: نعم ، أذهب إِليهِ ، قلتُ: إنهم يختلفون في إسناده ، قَالَ: إِنَّمَا قصر بِهِ مَالِك ، وَقَدْ أسنده عدة ، مِنْهُمْ: ابن عجلان ، وعبد العزيز بن أبي سلمة( [34]))).

ثُمَّ إن هَذَا الحَدِيْث قَدْ تناوله الإمام العراقي الجهبذ أَبُو الحَسَن الدَّارَقُطْنِيّ في علله( [35]) وانتهى إلى ترجيح الرِّوَايَة المسندة .

الدكتور

ماهر ياسين الفحل

العراق /الأنبار/الرمادي/ص .ب 735

al-rahman@uruklink.net



([1]) انظر : مَعْرِفَة أنواع علم الحَدِيْث : 37 ، و112طبعتنا ، وإرشاد طلاب الحقائق 1/153 ، والتقريب والتيسير: 49و 93 طبعتنا ، و المنهل الروي : 38 ، و المقنع 1/103 ، وشرح التبصرة و التذكرة 1/112 ، و 1/176 طبعتنا ، وفتح الباقي 1/111-112 ، و 1/205 طبعتنا .

([2]) انظر في المُرْسَل :

    مَعْرِفَة علوم الحَدِيْث 25 ، والكفاية (58ت،21 ه‍) ، والتمهيد 1/19 ، وجامع الأصول 1/115 ، ومعرفة أنواع علم الحَدِيْث 47،و126طبعتنا و إرشاد طلاب الحقائق 1/167 ، و المجموع 1/60 ، والاقتراح 192 ، والتقريب:54،و99 طبعتنا ، والمنهل الروي 42 ، والخلاصة 65 ، والموقظة 38 ، وجامع التحصيل 23 ، واختصار علوم الحَدِيْث 47 ، والبحر المحيط 4/403 ، والمقنع 1/129 ، وشرح التبصرة والتذكرة 1/144،و1/202طبعتنا ، ونزهة النظر 109 ، و المختصر 128 ، وفتح المغيث 1/128 ، وألفية السيوطي 25، وشرح السيوطي عَلَى ألفية العراقي 159 ، وفتح الباقي 1/144،
و1/194طبعتنا ، وتوضيح الأفكار 1/283 ، وظفر الأماني 343 ، وقواعد التحديث 133 .

ومما ينبغي التنبيه علية أن للعُلَمَاء في تعريف المُرْسَل وبيان صوره مناقشات ، انظرها في نكت
 الزَّرْكَشِيّ 1/439 ومحاسن الاصطلاح 130، والتقييد و الإيضاح 70 ، وشرح التبصرة
والتذكرة   1/144 ،و 1/203طبعتنا ، ونكت ابن حجر 2/540 ، والبحر الَّذِي زخر ل 113 ، وانظر تعليقنا عَلَى مَعْرِفَة أنواع علم الحَدِيْث : 128 .

([3]) وهذا هُوَ الَّذِي صححه الخطيب في الكفاية (581ت،411ه‍)‍‍ وَقَالَ ابن الصَّلاح في مَعْرِفَة أنواع علم
الحَدِيْث :65 ، 155 طبعتنا :
((فما صححه هُوَ الصَّحِيح في الفقه وأصوله)) .وانظر: المدخل : 40 ،= =وقواطع الأدلة 1/368-369 ، والمحصول 2/229 ، وجامع الأصول 1/170 وكشف الأسرار للبخاري 3/2، وجمع الجوامع 2/126 . وَقَدْ نسب الإمام النَّوَوِيّ هَذَا القَوْل للمحققين من أهل الحَدِيْث، شرح صَحِيْح مسلم 1/145 ثُمَّ إن هَذَا القَوْل هُوَ الَّذِي صححه العراقي في شرح التبصرة 1/174 ، 1/227 طبعتنا .

([4]) هَذَا القَوْل عزاه الخطيب للأكثر من أهل الحَدِيْث ( الكفاية : 580ت ، 411 ه‍ ) .

([5]) هُوَ ظاهر كلام الإمام أحمد كَمَا ذكر ذَلِكَ ابن رجب الحنبلي في شرحه لعلل التِّرْمِذِي 2/631 .

([6]) عزاه الحَاكِم في المدخل : 40 لأئمة الحَدِيْث ، وانظر: مقدمة جامع الأصول 1/170 ، والنكت الوفية 136/أ .

([7]) هَذَا القَوْل ذكره السُّبْكِيّ في جمع الجوامع 2/124 وَلَمْ ينسبه لأحد .

([8]) هُوَ أبو عَبْد الله، وأبو أسامة زيد بن أسلم العدوي مولى عمر : ثقة وَكَانَ يرسل ، توفي سنة (136 ه‍).

     تهذيب الكمال 3/64 ( 2072 ) ، وسير أعلام النبلاء 5/316 ، والتقريب ( 2117 ) .

([9]) أبو مُحَمَّد عطاء بن يسار الهلالي المدني ، مولى ميمونة : ثقة ، توفي سنة ( 103 ه‍ ) .

     الثقات 5/199 ، وتهذيب الكمال 5/179 ( 4535 ) ، وتاريخ الإسلام : 171 وفيات ( 103 ه‍ ) .

([10]) في موطئه ( 151) .

([11]) كَمَا في مصنفه (3466) . 

([12]) عِنْدَ أبي دَاوُد (1026) ، ومن طريقه البَيْهَقِيّ 2/338 . 

([13]) عند الطحاوي في شرح المعاني 1/433 ، والبيهقي في السُّنَن الكبرى 2/331. 

([14]) عِنْدَ الطحاوي في شرح المعاني 1/433 . 

([15]) موطئه (138) .

([16]) في موطئه (475 ) ، ومن طريقه أخرجه البَغَوِيّ في شرح السُّنَّة ( 754 )

([17]) في موطئه ( 252 )

([18]) عِنْدَ ابن حبان (2659)وط الرسالة (2663)،والبيهقي2/338-339،وابن عَبْد البر في التمهيد5/19. 

([19]) أبو سعيد البصري يَحْيَى بن راشد المازني : ضعيف .

       الثقات 7/601 ، وتهذيب الكمال 8/32 ( 7418 ) ، والتقريب ( 7545 ) .

([20]) عِنْدَ ابن عَبْد البر في التمهيد 5/20 .  

([21]) انظر : التمهيد 5/21 . 

([22]) عِنْدَ أحمد 3/72 ، والدارقطني 1/375 . 

([23]) هُوَ أبو عَبْد الله ، ويقال : أبو الأصبغ عَبْد العزيز بن عَبْد الله بن أبي سلمة الماجشون المدني الفقيه ، توفي                             سنة ( 166 ه‍ ) .

الجرح والتعديل 5/386 ، وتهذيب الكمال 4/520 و 521 ( 4043 ) ، وسير أعلام النبلاء 7/309 . 

([24]) عِنْدَ أحمد 3/84 ، والدارمي (1503)، وَالنَّسَائِيّ 3/27، وَفِي الكبرى (1162) ،وابن الجارود (241)، وابن خزيمة (1024) ، وأبي عوانة 2/210 ، والطحاوي في شرح المعاني 1/433 ، والدارقطني 1/371 ، والبيهقي 2/331.

([25])  عِنْدَ أحمد 3/83 ، وَمُسْلِم 2/84 (571) (88) ، وأبي عوانة 2/192-193 ، وابن حبان (2665) وط الرسالة (2669) ، والبيهقي 2/331 .

([26]) الإِمَام الحَافِظ مُحَمَّد بن مطرف بن داود أبو غسان المدني ، ولد قَبْلَ المئة ، وتوفي بَعْدَ ( 160 ه‍ ) .

تهذيب الكمال 6/519 ( 6205 ) ، وسير أعلام النبلاء 7/296 ، وتذكرة الحفاظ 1/242 .

([27]) عِنْدَ أحمد 3/87 .

([28]) عِنْدَ ابن ماجه (1210) ، وَالنَّسَائِيّ 3/27 ، وَفِي الكبرى ( 1162) ، والطحاوي في شرح المعاني 1/433 ، وابن حبان (2663) وَفِي ط الرسالة (2667) . 

([29])وَقَدْ ذكر ابْن عَبْد البر في التمهيد 5/18-19غيرهم هشام بن سعد وداود بن قيس،وَلَمْ أقف عَلَى رواياتهم 

([30]) هُوَ يعقوب بن عَبْد الرحمان بن مُحَمَّد بن عَبْد الله بن عَبْد القاري المدني ، توفي سنة ( 181 ه‍ ) .

الثقات 7/644 ، والأنساب 4/407 ، وتهذيب الكمال 8/174 ( 7690 ) . 

([31]) عِنْدَ أبي دَاوُد ( 1027) .

([32]) عَلَى أن ابن عَبْد البر ذكر في التمهيد 5/18-19 آخرين رووه مرسلاً ، لَمْ أقف عَلَى رواياتهم .

([33]) التمهيد 5/19 .

([34]) التمهيد 5/25 .

([35]) 11/260-263 س ( 2274 ) .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

الاختلاف في اسم الراوي ونسبه إذا كان متردداً بين ثقة وضعيف د ماهر الفحل

  الاختلاف في اسم الراوي ونسبه إذا كان متردداً بين ثقة وضعيف الاختلاف في الأسانيد ملحظ مهم للرجل الذي يحب الكشف عن العلل الكامنة في ...